يوشك أن يودعنا رمضان ونودعه، ويذهب إلى ربه فيشهد علينا، ويثني على من أحسن استقباله وختمه، فصامه وقامه إيمانا واحتسابا، ويشكو إلى ربه قسوة من هجره ولم يغير حاله رغم ما تيسر من الطاعات.
وما حدث من تقييد لقوى الشر والأبالسة، يوشك أن يذهب رمضان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ « إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ».
ففي رمضان تقيد الشياطين فيقل وسوستها للصائمين، أو كما قال القاضي قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو .
كيف نميّز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس؟
وفي رده علي سؤال حول كيف نميّز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس؟ قال جمعة: إن وسوسة الشيطان لا تدوم، ولا تعود، ولا تتكرر، ويحاول أن يوسوس في صدور الناس، فإذا لم يستجب الإنسان لهذه الوسوسة، وقاومها، وانشغل عنها فإنه لا يعود إليها مرة ثانية، ويذهب ليوسوس له فى شىء آخر، فإذا وجد الإنسان من نفسه دعوة بالكسل عن الصلاة، أو عن الذكر، أو دعوة تدعوه إلى شيء مكروه أو محرم، ثم لم يجد في نفسه ذلك بعد هذا فإن ذلك من وسواس الشيطان، فهذه أذية الشيطان، وهو ضعيف، ولا سلطان له علينا، والله - سبحانه وتعالى - أوكله، ولكنه أضعفه, وأبقاه، ولكنه خذله, والشيطان نستطيع أن نتقى شره من أقرب طريق، وبأبسط وسيلة، فالأذان يذهب الشيطان, والذكر يذهب الشيطان, ونقرأ خواتيم سورة البقرة فتذهب الشيطان وتحصِّن المكان, ونقرأ آية الكرسى فإذ بنا نحتمى بها من الشيطان, ونذكر أذكار الصباح والمساء فإذ بنا نحصِّن أنفسنا من الشيطان, فالشيطان يُرد من أقرب طريق وبأبسط طريقة, وحياة الإنسان مع الذكر، ومع القرآن، ومع العبادة، ومع الطهارة، ومع الأذان، ومع الصلاة، ومع الصيام تجعل الشيطان يفر ويذهب.
اضاف: المشكلة هي مشكلة النفس، لأن النفس تحتاج إلى تربية, والنفس تعيد على الإنسان دعوته إلى التقصير، ودعوته إلى الحرام, ودعوته إلى المكروه مرة بعد أخرى، فإذا ما قاومتها في أول مرة عادت تلح علىّ في المرة الثانية, هذه هى النفس الأمَّارة, ولذلك استعملوا معها صيغة المبالغة, فهي: أمَّارة على وزن: فَعَّالة, وصيغة المبالغة فيها تكرار، وعود، ومبالغة، وفعل كثير, فالنفس لا تأمر مرة ثم تسكت، بل إنها تلح مرة بعد مرة.وإذا ما وجدت إلحاحاً على شىء لفعل القبيح الذى أعرف أنه قبيح، والذي أعرف أن فيه تقصيراً، أو فيه ذنباً، ومعصيةً، فعلىَّ أن أعرف أن ذلك من نفسى, وأنه ينبغى علىّ أن أربيها.النفس الأمارة بالسوء هي أصل النفوس, عموم الناس تأمرهم نفوسهم بالسوء، فإذا ما ارتقينا إلى ما بعدها أي إلى: النفس اللوامة, وجدنا هناك نزاعا بين الإنسان وبين نفسه، مرة تأمره بالمنكر، فيحاول أن لا يستجيب، ومرة يستجيب ثم يتوب ويرجع، ويدخل في منازعة، وفي أخذ ورد معها، إلى أن تستقر على: النفس الملهمة، وهى الدرجة الثالثة من درجات النفس.
الأزهري: من تحدثه نفسه بالمعصية بعد رمضان فقد عبد ربه عبادة وقتية
الدكتور علي محمد الأزهري عضو هيئة تدريس الأزهر الشريف: الصائم لا يرجع من طاعته للمعصية مرة أخرى، وإلا كان كالمرأة التي نقضت غزلها، قال تعالى (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا)، فعن قتادة قال مبينًا لمعنى الآية: لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد ابرامه لقلتم: ما أحمق هذه وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده، ويجب عليه أن لا يغفل عن الذكر، وعن الطاعة وعن آداء الصلاة في جماعة وفي وقتها، فمن صفات المنافقين أنهم لا يذكرون الله إلا قليلًا، قال تعالى (ولا يذكرون الله إلا قليلا) ومن تحدثه نفسه بالمعصية بعد رمضان فقد عبد ربه عبادة وقتية، يقول سيدنا كعب -رضى الله عنه-: "من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه؛ فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود". وسُئِل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!"
وقالت الدكتورة أمنة نصير عميد كلية الدراسات الاسلامية الاسبق أن ثمار شهر رمضان المبارك تتلخص في الحفاظ على العبادات من صلاة و صوم وتلاوة القرآن والمواظبة على النزول للمساجد في مواعيد الصلاة.لافتة إلى أنه لا يجب على المسلم أن يفسد صومه ولا ينسى الضوابط الأخلاقية والسلوكية التي التزم بها أثناء صومه، من أمانة وصدق وأن تبقى كما هي تسري في قلبه و روحه وعقله، ملتزماً بها في أدائه كما لو كان برمضان تماماً، إلى أن يأتي رمضان القادم ويكون طاهراً القلب.
وأضافت نصير أن الحكمة من هذا الشهر الفضيل هو الصوم عن المعاصي والخروج منه بأكبر كم من المكاسب الروحية، ليس مجرد انقضاء أخر يوم وكأننا نودع أمر انتهينا منه.
0 التعليقات
المشاركات
